الخميس، 28 أبريل 2011

إعادة التكوين الذاتي للنظم



ليس هناك ادني شك، اننا جميعا امام لحظة ميلاد طالما تمنيناها وطالما حلمنا بها، ولعل اجمل مافيها اننا صانعوها، وهذا ما يفسر الخوف الشديد المحق لدينا والذي ينعكس احيانا في معارك جانبية وضجيج ومشاحنات لدي البعض منا... ولكن يبقي اننا مازلنا في المجمل تحت نفس المظلة وان اختلفت مواقعنا تحتها.

في خضم ضجيج متصل ومشاهد متتالية، غالبيتها كان في إطار اللامعقول حتي وقت قريب... في وسط هذا المشهد المزدحم تخاض الآن (او المفترض) اعمال وانشطة متلاحقة لتحديد شكل المستقبل الذي نريد أن نكون فيه، ولكني استشعر مزيج من الخوف والغضب مثل كثير غيري، وقد يرجع السبب لإفراطي في التوقع او قد يرجع لسبب جوهري آخر وهو القلق الشديد من نظرية كثيرة الحدوث تسمي إعادة التكوين الذاتي للنظم.

وقبل أن أبدء في طرح الفكرة أريد أن أسجل مسبقاً أن التصورات التي سترد هي بالضرورة ستكون متأثرة بمواقفي العامة ومنهجي في التفكير، وبالتالي فأني اتصور أن بعض ما سأعرضه من تصورات قد يختلف مع تصورات أخرى، ولكن ما يشجعني أن اختلاف التصورات مفيد للوصول إلى أقرب الصواب على الأقل.

اولاً من الضروري ان نفهم معني النظام، والذي هو بالتعريف العلمي عبارة عن مجموعة عناصر تشكل بمجموعها كلاً واحداً مع بعضها البعض حيث يرتبط كل عنصر بالآخر. بالتالي أي عنصر ليس له أي ارتباط بأحد عناصر النظام لا يمكن اعتباره جزءا من هذا النظام. وللنظم خصائص ثلاث، هي:
  • النظام له بنية، تعرف بأجزاءه وتركيبه.
  • النظام له سلوك،
  • النظام له ترابطية داخلية، فأجزاء النظام المختلفة ترتبط وظيفياً وبنيوياً فيما بينها.



وبتأمل هذا التعريف نجد ان تغيير النظام يعني بالضرورة العمل علي تفريغه من مضمون خصائصه القديمة (الثلاث خصائص) ثم وضع مضامين ومفاهيم جديدة بدلاً منها.

فلو نظرنا للخاصية الأولي، وهي بنية النظام، سنجد ان اجزاء النظام القديم البائد المتمثلة في الأشخاص اصحاب القرار في الحكومة، واصحاب رؤوس الأموال في الإقتصاد لازالو هم الذين في الصورة بل وفي الطليعة، اللهم إلا في بعض اليسير الذي تم استبداله بجسد آخر يحمل نفس الفكر والمرجعية... او في احوال اخري بلا فكر او مرجعية. للإيجاز: لازالت بنية النظام المتمثلة في جسده قائمة، وإن كانت اهتزت بعنف نتيجة للإطاحة بالرأس.

وبالتدقيق في المكون الثاني وهو السلوك، والمقصود به اسلوب التفكير وإنعكاس هذا التفكير علي الفعل... فسنجد ايضاً انه في كثير من جداً من الحالات لازال نفس السلوك قائماً ونفس صيغة القرارات.... وهناك من الشواهد الكثير الذي يمكن ان نسرده في هذا الصدد ولكني سأترك لحضراتكم استرجاع تلك الأمثلة.

وبالتفكير في الخاصية الثالثة الخاصة بالترابطية الداخلية لأجزاء النظام المختلفة التي من المفترض ان ترتبط وظيفياً وبنيوياً فيما بينها، فإننا اما امر مختلف، فالنظام البائد كانت تلك الخاصية عنده من اضعف ما يمكن، وكانت كل وزارة او هيئة تتصرف علي انها دولة مستقلة ويغيب الترابط بإستمرار وتتداخل المسئوليات، وهو ما كانت تعكسه التصريحات المتضاربة... والغريب ان نفس الخاصية لم تتبدل بل ظلت كما هي، واصبحنا امام مشاهد تتسم بالغرابة، ففي كثير من المواقف الحرجة (ان لم يكن كلها) فإننا لا نجد الحكومة ونجد بدلاً منها جهود فردية هي التي تتصدي لها.

لم أرد ان اصيب احدا بالتشاؤم او الإحباط، او التقليل من الإنجاز الكبير الذي تم، ولكني احاول وضع اجزاء الصورة المتفرقة بجانب بعضها البعض. اخشى ما اخشاه هو ان ما تبقي من خصائص النظام السابق ستكون قادرة دون شك علي صناعة رأس جديد لنفس الجسد وإعادة تكوين النظام ولكن بلون مختلف.... ان تلك الظاهرة عادة ما توجهها المؤسسات التي تضلع بعمليات تغيير شاملة... والثورة هي كل التغيير.

نريد افكار واضحة عن كيفية مواجهة هذه الظاهرة ومنع حدوثها.


الثلاثاء، 26 أبريل 2011

الخوف من التغيير


التغيير....

الثورة هي التغيير الشامل.... البعض لم يراجع مواقفه وافعاله حتي الأن ولازال يسير بمنهج مختلف عن منهج التغيير ويظن اننا امام موقف عابر سيمر وتعود الأمور لما كانت عليه.... الخطر الأكبر علي الثورة هو عدم ادراك استحقاقات الثورة.... عدم ادراك اننا امام لحظة تغيير حاسمة.... فالنفهم التغيير حتي نستطيع القيام به.....

التغيير الحقيقي يبدأ بالتفكير خارج حدود البديهيات والمألوف واحيانا بعيد عن المنطق

التغيير الجزئي هو تقدم مستمر للوراء.....

نقطة البداية لإنجاز التغيير تكمن في القيم... وليس في المهارات.... اولاً يجب ان نتخلص من بعض القيم السلبية التي تحكم تصرفاتنا وتمثل المرجعية الفكرية لأفعالنا:
١- الإهتمام بالجزئيات اكثر من الكليات
٢- تفضيل الإنجاز علي التأمل والتخطيط
٣- التفكير في الفرد لا الجماعة
٤- الإعتماد علي التذكر بدلاً من التوثيق
٥- التفكير في الأزمة دون الفرصة

الخمس قيم السابقة هم الأولي بالتغيير الأن....

ان العائق الأساسي الذي يقف بيننا وبين تغيير تلك القيم في ذاتنا هو الخوف من التغيير.... والخوف شعور لا يستند إلي منطق وإنما شعور يتحطم عليه المنطق... لذا مواجهته هي سر النجاح الأوحد.... فلولا مواجهة الخوف والانتصار عليه لما تدفقت الملايين في الشوراع معلنة عن ثورتها ومقررة اسقاط النظام....

لنشاهد تلك الفكرة في هذا الفيلم....




السبت، 23 أبريل 2011

الانتخابات البرلمانية.... الطريق إلي الجمهورية الثانية



ليس هناك ادني شك في ان الانتخابات البرلمانية القادمة لهي الأكثر اهمية في تاريخ مصر المعاصر حيث تعتبر بمثابة ممر العبور لميلاد دستور جديد تتأسس معه "الجمهورية الثانية" في مصر علي اسس الحرية والديموقراطية والعدالة الإجتماعية، تلك المبادئ التي نادت بها ثورة ٢٥ يناير كتعبير صادق عن طموحات واحلام المصريين وقاسم مشترك بين اطياف الشعب المختلفة.


ان نجاح الإنتخابات البرلمانية القادمة يعني بالضرورة ان تكون مرآة صادقة لرغبات المصريين وان تتمتع بكل الشفافية ومعايير النزاهة، الأمر الذي يقتضي وبالضرورة الوقوف المستنير علي التحديات القائمة، واستيعابها بشكل كامل والعمل علي الحد من آثارها، وفي نفس ذات الوقت عدم المبالغة في وضع في إلامكانات الحالية والمحتملة لتنظيم تلك الإنتخابات.


كذلك يعتبر الإنتقال إلي التصويت بالرقم القومي بمثابة خطوة كبيرة تدعم المشاركة الواسعة من الضروري معها الوقوف الجاد علي المحددات المختلفة المرتبطة بهذا الواقع الجديد حيث تتضافر الجهود الحكومية والأهلية لعمل نظام انتخابي قادر علي حمل إرادة الناخبين بكل الصدق لمجلس الشعب تستجيب له التشريعات وتقننه. وتلك المحددات هي:
  1. إلتقاء الارادة السياسية مع نبض الشارع لتنفيذ انتخابات نزيهة وشفافة تعبر عن ارادة الناخبين
  2. ضرورة ان يوازن النظام المقترح بين التطلعات ولا يفرط فيها وبين الإمكانات الحالية والمتوقعة ولا يبالغ فيها
  3. استخدام التقنية ليس هدفاً وإنما عنصر نتغلب به علي عيوب الإنتخابات التقليدية
  4. هناك تخوف من المواطنين من عمليات التزوير
  5. الحلول التقنية المعقدة ونظم التصويت الإلكتروني لا يمكن الجزم بجدواها
  6. يجب ان يتصدي النظام لأساليب التزوير المختلفة دون فرض تعقيدات ومع الحرص علي تقليل الفترة الزمنة للتصويت لكل ناخب
  7. ضرورة أن تكون تكلفة النظام في إطار الممكن تنفيذه لأنه من المفيد عدم الاعتماد علي المنح الخارجية، فكما صنعنا الثورة بأنفسنا من المهم ان نتحول للديموقراطية بسواعدنا، فنحن لا نحتاج احد ليعلمنا ويخرج يقول انه دعمنا لنكون دولة ديموقراطية.
  8. يجب ان يراعي النظام الإطار الزمني المتاح حتي موعد الإنتخابات



فضلاً عن هذا هناك عدد من المحددات الرقمية التي من الضروري اخذها في الإعتبار عند وضع النظام، وهي:
٤٥ مليون
عدد من لهم حق التصويت
١٦ آلف
عدد القضاة
٣ مراحل
مراحل التصويت
يترواح بين ١٦ الف إلي ٢٠ آلف
عدد اللجان الفرعية بكل مرحلة
١٠٠٠ ناخب
عدد الناخبين لكل صندوق
١٠ ساعات
زمن التصويت الكلي



وفي ضؤ المحددات السابقة، من الضروري ان لا يقوم نظام ادارة الإنتخابات علي فكرة التغيير الشامل للنظام الإجرائي للإنتخابات، وإنما تغيير العيوب التي شابته سواء في تقسيم الدوائر او ارتباط الناخب بالدائرة وان يكون قادراً علي استيعاب الأعداد الكبيرة المتوقع مشاركتها نظراً لإعتماد استخدام الرقم القومي، فمن الضروري ان تكون الدائرة الانتخابية عبارة عن قسم/مركز او اكثر، وان يكون ارتباط الناخب بالدائرة علي اساس محل السكن ببطاقة الرقم القومي كأساس وان يلغى التصويت علي اساس جهة العمل او المصلحة.


وفي ضوء ما تقدم، من الضروري ان ينظر للإنتخابات علي ثلاثة اجزاء اساسية ومتكاملة:
  • مرحلة الإعداد
  • مرحلة التصويت
  • مرحلة الفرز وإعلان النتائج

مرحلة الإعداد والإدارة الخاصة بالعملية الإنتخابية، تحدد بنسبة كبيرة نجاح العملية ككل، لذا الإعتماد فيها علي تكنولوجيا المعلومات يجب ان يكون كبيراً وحاسماً ومحورياً، وان تتاح للمواطنين وسائل متعددة وبسيطة للتعرف علي المقرات واللجان التي لهم حق التصويت فيها.


مرحلة التصويت والإقتراع يجب ان تتمتع بالشفافية والسهولة والسرعة في الإجراءات من ناحية، ومن ناحية اخرى الدقة والتحقق الجاد من شخصية الناخب وحقه في الإقتراع السري. وفي هذه المرحلة من الضروري عدم الإسراف في استخدام التقنيات وقصرها علي دعم التحقق من الشخصية وتحقيق الشفافية.


مرحلة الفرز وإعلان النتائج، من المفيد في هذه المرحلة ان يكون هناك وسائل تقنية تتابع الفرز الخاص باللجان وإعلان النتائج والعمل علي إنجازها بشفافية كاملة.








الجمعة، 22 أبريل 2011

رسالة مفتوحة




عزيزي استاذ اسلام حسين

لقد قرأت مقالك "عواقب الحد الأدني للأجور"، وقبل ان ابدأ في طرحي عن الإفتراضات التي بنيت عليها مقالك علي اساس انها مسلمات ومعطايات ثابتة، فإني اود ان اوضح ان اختلاف المرجعيات الفكرية لا يعني التخوين ولا تستدعي التجريح كما ان النوايا ليست محل تأكيد او نفي لكونها ببساطة ليست محل اطلاع او مشاهدة، لذا فنحن نتحدث عن فكر ومنهج يصاحبه فعل، وليكن هذا دائما هو المقياس.

بخصوص طرحكم في اولاً، فلقد تسألت عن لماذا مبلغ ٢٠٠ دولار هو الحد الأدني المطالب به وهو في حدود ١١٠٠ جنيه إلي ١٢٠٠ جنيه، وذلك وفق حسابات متوسط اسعار سلة الغذاء المصري لمتوسط عدد افراد الأسرة المعالة مضافاً عليها مصاريف السكن في اضيق حدوده وكذلك متوسطات ضعيفة لباقي احتياجات الحياة، هذا كله من ناحية ومن ناحية اخري قدرة الإقتصاد علي الوفاء بهذ الحد.

ولقد ذهبت بتساؤلك ايضاً في "أولاً" الي طرح سؤوال عن وضع دخل العمال الذين يعملون وينتجون بمعدلات اعلي ويحققون نتائج اعظم لأصحاب الأعمال، وهنا اود ان اوضح لك ان حديثنا عن الحد الأدني للأجور وليس عن الأجر الموحد... لذا فإن الإفتراض الذي وضعته هنا كإشكالية وربطته بعد ذلك بإفتراض آخر بأن هذا الحد الأدني سيعطي فرصة لرفض اصحاب الأعمال زيادة دخل العاملين المتميزون لهو امر ضد منطق الأشياء، فلو كان هذا العامل مميزا فإن صاحب العمل سيزيد اجره من واقع حفاظ صاحب العمل علي مصلحته الشخصية وبعيداً عن فكرة العدالة والمثالية وإلا سيفقد (صاحب العمل) مردود العامل المميز علي المؤسسة والذي وصفته انت بأنه كبير.

اما بخصوص كيفية فرض هذا الأجر علي اصحاب الأعمال، فالوسائل متعددة والتجارب في هذا المجال كثيرة للغاية وفعالة.

فضلاً عن هذا، فإن وجود حد ادني بهذه القيمة من شأنه زيادة القوة الشرائية في السوق وبالتالي إنعاش دورة الإقتصاد، ولتكن تلك الحقيقة هي مدخلي للرد علي النقطة "ثانياً" والتي تناولت فيها اذا كان الحد الأدني اقل من مردود العامل علي المنشأة... يا عزيزي هذه المشكلة ليست مشكلة العامل وإنما مشكلة الإدارة... الخلاف هنا واسع بين الأمرين، فأنت افتراضك اسس علي فكرة ان العامل غير الممكن هو نتاج ذاته وليس نتاج بيئة الإدارة، وهو اختلاف واسع مع علم الإدارة ذاته، لذلك ارجو منك مراجعة الأدبيات المختلفة وستجد الكثير الذي قتل هذه النقطة بحثاً.

كذلك فأنت ذهبت بإفتراض جديد في نفس ذات النقطة، مفداه ان الحد الأدني سيقلل التوظيف بشكل عام، وهذه علاقة بين متغيرين ليس بينهما رابط، بمعني انه لا توجد علاقة مثبتة بين البطالة ووجود حد ادني للأجور. يا عزيزي لم تثبت هذه العلاقة علي الإطلاق، وهو افتراض يذكرني بإدعاء شهير دعني اذكرك به، وهو ان تكنولوجيا المعلومات تزيد من معدلات البطالة... حيث ظل البعض يردده لسنوات، في الوقت الذي اكدت الأدبيات الادارية والاقتصادية عدم وجود رابط ايضاً... فأرجو منك ايضاً مراجعة هذه النقطة وستجد عدم وجود علاقة بين الأمرين علي الإطلاق.

النقطة رابعاً والتي طرحت فيها ان الحد الأدني للأجور يمكن قبوله في الدول التي تتمتع بإقتصاد قوي، وهذا افتراض ايضاً يضحضه تاريخ الحد الأدني للأجور، والذي تطبقه معظم دول العالم، وحتي لا نأخذ امثلة بعيدة فهناك مثلاً ماليزيا والتي طبقته في بداية تجربتها وبالتحديد في عام ١٩٧٧، والأمثلة متكررة في كل دول جنوب شرق آسيا والتي طبقته قبل النهضة وليس بعدها... اي استخدمته لزيادة القوة الشرائية في السوق من ناحية، ولخلق قيم معنوية ايجابية لدي الملاكات العاملة حيث انه -ووفقا لنظرية اقتصادية حاز صاحبها علي جائزة نوبل- ان المحرك الرئيسي لأي اقتصاد هو وجود قيم معنوية ايجابية لدي المواطنين مثل الأمل والكرامة الوطنية والفرح العام وخلافه.

اخيراً اتمني ان تكون الافكار واضحة وان لا اكون قد اطلت