ليس هناك ادني شك، اننا جميعا امام لحظة ميلاد طالما تمنيناها وطالما حلمنا بها، ولعل اجمل مافيها اننا صانعوها، وهذا ما يفسر الخوف الشديد المحق لدينا والذي ينعكس احيانا في معارك جانبية وضجيج ومشاحنات لدي البعض منا... ولكن يبقي اننا مازلنا في المجمل تحت نفس المظلة وان اختلفت مواقعنا تحتها.
في خضم ضجيج متصل ومشاهد متتالية، غالبيتها كان في إطار اللامعقول حتي وقت قريب... في وسط هذا المشهد المزدحم تخاض الآن (او المفترض) اعمال وانشطة متلاحقة لتحديد شكل المستقبل الذي نريد أن نكون فيه، ولكني استشعر مزيج من الخوف والغضب مثل كثير غيري، وقد يرجع السبب لإفراطي في التوقع او قد يرجع لسبب جوهري آخر وهو القلق الشديد من نظرية كثيرة الحدوث تسمي إعادة التكوين الذاتي للنظم.
وقبل أن أبدء في طرح الفكرة أريد أن أسجل مسبقاً أن التصورات التي سترد هي بالضرورة ستكون متأثرة بمواقفي العامة ومنهجي في التفكير، وبالتالي فأني اتصور أن بعض ما سأعرضه من تصورات قد يختلف مع تصورات أخرى، ولكن ما يشجعني أن اختلاف التصورات مفيد للوصول إلى أقرب الصواب على الأقل.
اولاً من الضروري ان نفهم معني النظام، والذي هو بالتعريف العلمي عبارة عن مجموعة عناصر تشكل بمجموعها كلاً واحداً مع بعضها البعض حيث يرتبط كل عنصر بالآخر. بالتالي أي عنصر ليس له أي ارتباط بأحد عناصر النظام لا يمكن اعتباره جزءا من هذا النظام. وللنظم خصائص ثلاث، هي:
- النظام له بنية، تعرف بأجزاءه وتركيبه.
- النظام له سلوك،
- النظام له ترابطية داخلية، فأجزاء النظام المختلفة ترتبط وظيفياً وبنيوياً فيما بينها.
وبتأمل هذا التعريف نجد ان تغيير النظام يعني بالضرورة العمل علي تفريغه من مضمون خصائصه القديمة (الثلاث خصائص) ثم وضع مضامين ومفاهيم جديدة بدلاً منها.
فلو نظرنا للخاصية الأولي، وهي بنية النظام، سنجد ان اجزاء النظام القديم البائد المتمثلة في الأشخاص اصحاب القرار في الحكومة، واصحاب رؤوس الأموال في الإقتصاد لازالو هم الذين في الصورة بل وفي الطليعة، اللهم إلا في بعض اليسير الذي تم استبداله بجسد آخر يحمل نفس الفكر والمرجعية... او في احوال اخري بلا فكر او مرجعية. للإيجاز: لازالت بنية النظام المتمثلة في جسده قائمة، وإن كانت اهتزت بعنف نتيجة للإطاحة بالرأس.
وبالتدقيق في المكون الثاني وهو السلوك، والمقصود به اسلوب التفكير وإنعكاس هذا التفكير علي الفعل... فسنجد ايضاً انه في كثير من جداً من الحالات لازال نفس السلوك قائماً ونفس صيغة القرارات.... وهناك من الشواهد الكثير الذي يمكن ان نسرده في هذا الصدد ولكني سأترك لحضراتكم استرجاع تلك الأمثلة.
وبالتفكير في الخاصية الثالثة الخاصة بالترابطية الداخلية لأجزاء النظام المختلفة التي من المفترض ان ترتبط وظيفياً وبنيوياً فيما بينها، فإننا اما امر مختلف، فالنظام البائد كانت تلك الخاصية عنده من اضعف ما يمكن، وكانت كل وزارة او هيئة تتصرف علي انها دولة مستقلة ويغيب الترابط بإستمرار وتتداخل المسئوليات، وهو ما كانت تعكسه التصريحات المتضاربة... والغريب ان نفس الخاصية لم تتبدل بل ظلت كما هي، واصبحنا امام مشاهد تتسم بالغرابة، ففي كثير من المواقف الحرجة (ان لم يكن كلها) فإننا لا نجد الحكومة ونجد بدلاً منها جهود فردية هي التي تتصدي لها.
لم أرد ان اصيب احدا بالتشاؤم او الإحباط، او التقليل من الإنجاز الكبير الذي تم، ولكني احاول وضع اجزاء الصورة المتفرقة بجانب بعضها البعض. اخشى ما اخشاه هو ان ما تبقي من خصائص النظام السابق ستكون قادرة دون شك علي صناعة رأس جديد لنفس الجسد وإعادة تكوين النظام ولكن بلون مختلف.... ان تلك الظاهرة عادة ما توجهها المؤسسات التي تضلع بعمليات تغيير شاملة... والثورة هي كل التغيير.
نريد افكار واضحة عن كيفية مواجهة هذه الظاهرة ومنع حدوثها.