تواتر الأحداث في مصر الأن يحتاج للصعود عاليا والتحليق علي ارتفاع الطائرات لمشاهدة صورة مكتملة للمشهد، ومحاولة فهم السبب النهائى لسلسلة الأحداث التي تجري علي الأرض، وقدر تعقد المشهد فإن احالة الأمر واختزاله تحت عنوان مؤامرة لا يكون سليماً وايضاً استبعاد عنوان المؤامرة بالكامل لن يكون حكيماً.
ان المشهد الذي نحن امامه الأن يحتاج إلي عدم النظر لأحداثه علي انها نقاط متفرقة غير متصلة لأنها في المجمل هي متشابكة وتشكل منحني خطير، وترتبط في توقيتها مع احداث اخري كثيرة. فحادثة امبابة حلقة ليست الأولي ولن تكون الأخيرة، ولكن هل يمكن ان ننسبها لمسلسل الفتنة الطائفية في مصر؟؟؟؟
ان مسلسل الفتنة الطائفية بدأ منذ فترة طويلة، فمنذ عام ١٩٧٢ حدثت مئات الحوادث الطائفية المعلنة وغير المعلنة، الكبيرة والصغيرة، وفي كل مرة تتم معالجة المسألة عن طريق دفن الرؤوس في الرمال دون البحث عن الأسباب البنيوية الكامنة، ومحاولة علاجها جذرياً بهدوء وببطء وعلى وقت كاف، وليس إغلاق الجراح على ما فيها من صديد.
وتشترك الأحداث المرصودة منذ عام ٧٢ وحتي بداية ٢٠١١ في كونها عبارة عن حدث فردي او عائلي (يبدأ هكذا) ثم يتمدد ليصل احيانا الي مظهر حشد يواجه حشد اخر، اي هناك مشكلة ما تأخذ بعداً طائفياً (هذا لا يمنع وجود الإحتقان الطائفي والرفض المتبادل قطعاً).
اما ما يحدث الأن فهو خروج عن هذا النمط، اولاً جميع مشاهده تتواكب زمنياً مع احداث اخري علي الصعيد السياسي، فمثلاً مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي، ثم عقب جمعة التطهير، وفي خضم التقارب مع ايران، وفي مواكبة المصالحة الفلسطينية...إلخ... هذا من حيث التوقيت، اما من حيث تركيب الحدث فهو مختلف، حيث ان الأحداث تبدأ بحشد كبير (في السابق احداث فردية تتحول لحشد) يتحرك بصورة منظمة لصناعة الحدث... وهو امر يجب التوقف عنده لأنه خارج السياق المعتاد، ويعطي دلالات متفرقة.
ان هذا النوع من الفتن الطائفية تتمثل خطورته في انه يحدث انشقاق رأسي في المجتمع – من اعلاه الي ادناه- لذا فالتعامل معها يقتضي شكلا غير الذي كنا نفعله سابقاً والذي كان خاطئاً ايضاً ولكن كان يمكن اغلاق الجرح علي مافيه من صديد، اما الان فهذا ليس وارداً، لأن اليوم الفتنة مصنعة جيداً وبوعي، وممولة بسخاء.
لا يمكن تصور ان اي علاج لنوعية الأحداث التي نراها يمكن ان يكون قاصراً علي حدود المشكلة المكانية والزمانية، بأن نصلح الخسائر المادية ونعوض الضحايا ونشجب الفتنة صباحا ومساءاً....
انتظر منكم وضع تصور لحلول واقعية لهذه المشكلة.